عدد المشاهدات:
يا دعاة العامّية هكذا كونوا أو لا تكونوا[1]!!
أ.هشام سعدالدين/الجلفة-الجزائر
قرأنا في الصّغر وصايا فذّة
لإمام العربية البشير الإبراهيمي يقول فيها: "يا شباب الجزائر هكذا
كونوا أو لا تكونوا... أتمثّله برًّا
بالبداوة التي أخرجت من أجداده أبطالا، مزْوَرًّا عن الحضارة التي (رمتْه
بقشورها)، فأرْخَت أعصابه، وأنَّثت شمائله، وخنَّثت طباعه، وقيَّدته بخيوط الوهم،
ومجَّت في نبعه الطاهرِ السموم، وأذهبت منه ما يُذهِب القفص من الأسد من بأسٍ
وصَولة...
أتمثَّلُه كالغصن المروح، مطلولا بأنداء العُروبة،... حتّى إذا امتدّت الأيدي إلى وطنه بالتخوّن، واستطاعت الألسنة على دينه بالزِّراية
والتنقُّص، وتهافتت الأفهام على تاريخه بالقلب والتَّزوير، وتسابق الغرباء إلى
كرائمه باللص والتدمير، ثار وفار، وجاء بالبرق والرَّعد، والعاصفة والصاعقة، وملأ
الدنيا فِعَالا، وكان منه ما يكون من اللَّيث إذا ديس عرينُه، أو وسم بالهون عِرْنينُه".
هكذا تعلّمنا من الإبراهيمي وغيره من علماء الجزائر وأبنائها
الذين ضحّوا بالغالي والنَّفيس ليعيش هذا الوطن المُفدَّى آمنا مطمئنا يأتيه رزقه
رغدا من كل مكان,هكذا كانوا يتمثَّلُون الشاب الجزائريَّ ويرونه بعيون بصائرهم ويستشرفون
مستقبله وإن لم يُخلق بعدُ,عربيَّ الفكر واللسان ,قويَّ العزيمة في بناء صرح
أمته,غيورًا على ثوابتها,يرون أن لغته هي فكره هي دينه هي حياته...ولكنْ جاءنا
اليوم مـِمَّنْ هم من بني جِلدتنا - فيما أظنّ – ويتكلمون بفرنسيّتهم وعاميَّتنا
؛ يريدون هدم هذا الصرح أعني صرح اللّغة العربية خدمةً لأسيادهم الذين يُمْلون
عليهم قراراتهم بكرةً وأصيلا , و لأنهم عجزوا عن مواكبة هذا اللسان ؛ فالواحد منهم
لا يكاد يُبِين , ويحكم يا دعاة العامية ما لكم كيف تحكمون!!.
لمَّا قرأت بالأمس القريب مقالا في
جريدة (الشروق) جاء فيه" إنَّ الوزيرة تريد إدخال العامية في تدريس السنة
الأولى والثانية ابتدائي!!" تعجبت وقلت : يا معالي الوزيرة لِـمَ تريدين
إدخال العاميّة في مدارسنا ؟! وهل خرجت منها ؟! ألم نجد في كتاب اللغة العربية في
الابتدائي كلمات عامية ككلمة (ياوورت)[2] في السنة
الأولى ابتدائي و(بورتريه)[3] في السنة
الثانية ابتدائي ووجدنا أنّ جملة (لا تجتازوا السكة) تحولت إلى (لا تقطعوا السكّة) ,وجملة (قم بجولة) تحولت إلى (قم بدورة)[4] , وهكذا يبدأ
بإقحام العامية بالتدريج إلى أن يتم ترسيمها كلغة وطنية...واليوم جاء التصريح بعد التعريض والجهر بعد الإسرار...وظاهِرُ التدريس
بالعامية الرحمة بالثقافة العربية وبالمتعلّم وباطنه من قبله العذاب وهو تغريب
المجتمع بدءا بأصغر أفراده.
وليس الذنب ذنب الوزيرة بل هو ذنب
الأمة ومن يتبع سياسات الغرب الممنهجة لتحطيم اللغة العربية وبالتالي الهوية الوطنية,
ومما
أذكى ذلك أن صار دعاة العامية والنافخون في قِرَبهم من الإعلاميين يروِّجون أنَّ اللغة العربية لغة الإسلاميين ولذلك يخشون عليها
منها أن تصل إلى مضامين إرهابية؟؟ فالشائع اليوم كما تعلمون أنه إذا أردت التخلص من شيء قل (هو إرهابي) فهذه
الكلمة الطيّعة هي عصا موسى التي تفعل بها ما تريد...فاللغة تمتُّ للإرهاب بصلة
وكذا الدين , بل ما غُزيت الدول اليوم إلا
بحجة الإرهاب, وهكذا يحاولون القضاء على لساننا العربي وهويتنا الجزائرية بشتى
الوسائل والطرق وصدق ابن نباتة السعدي حين قال:
ومن لم يمت بالسيفِ ماتَ بغيرهِ ***
تعددت الأسبابُ والموت واحِدُ
إنّ ترقية تدريس
اللغة العربية يتطلب ترقية طرائق تدريسها ومناهجها وتكاتف كل أبناء هذه
الأمة أساتذة ومدرسين آباء ومربين قضاة ومحامين أطباء ومهندسين مثقفين وبطالين...فالكل
يسعى لترقية لغة العلم على حسب طاقته , ولكن بدل الاهتمام بذلك يقولون إنّ الطفل
يصطدم باللغة العربية عند الدخول إلى المدرسة، وعليه اقترحوا
التدريس بالعامية، ولا علاقة لصعوبة العربية على
الأمازيغ ولا على أبناء العرب كون لغتهم الأم العامية , بل فنَّد الأستاذ الباحث محمد
الهادي
حسني ذلك ضاربا بنفسه مثالا حيا بقوله "أمّي أمازيغية
وأنا أتكلم العربية أحسن من اليمنيين".
لقد بدأ طمس هويتنا ولساننا العربي مبكرا يرجع بداياته إلى
ما قبل سنة 1830م من طرف فرنسا حين بدأت
التخطيط وقتها للاستيلاء على الجزائر,وكرست وجودها لمحو كل مقومات الهوية
الإسلامية والوطنية من قانون التجنيس إلى قانون الإدماج فأصدرت العديد من الكتب لتعليم
اللغة العامية الجزائرية من ذلك كتاب تعليم اللهجة الجزائرية في الجزائر الطبعة
الثانية الصادرسنة
1923 تحت عنوان[5]
:
(Cours moyen d'arabe parlé)
للمؤلف محمد صوالح وقد كرست فيه إضافة للعامية سياسة التفرقة بين الجزائريين[6].ولطالما
كانت جمعية العلماء ومن وقف معها سدا منيعا وحصنا حصينا يأوي إليه كل جزائري يفتخر
بدينه ووطنه وعروبته...وبعد الاستقلال حرص الرئيس بومدين على أن تكون اللغة
العربية هي لغة العلم حيث قال في خطابه الشهير: " نحن لنا طموح ليس في أن
نعرّب فقط بل أن نطوّر هذه اللغة حتى لا تبقى لغة الشعر والغراميات حتى تصبح لغتنا
لغة قوية ,تصبح لغة التعامل في سكيكدة مصانع الغاز والبيتروكيماويات ,حتى تصبح لغة
التعامل في الأوساط العمّالية والفنيّين والمهندسين في الحجار..." وخطب
رحمه الله باللغة العربية سنة 1973م في هيئة الأمم المتحدة...وبعد وفاته بأشهر
ظهرت على السطح الدعوة إلى استعمال الدارجة في التدريس؛ فقد
جاء بها لأول مرة بن زاغو كاقتراح تقدم به عندما كان عضوا في لجنة التربية خلال المؤتمر الرابع لجبهة التحرير الوطني سنة
1979 م ، أين لم يجد ولا مساند له في أفكاره، مما دفعه
للانسحاب وعدم إكمال حضور فعاليات المؤتمر.بعد ذلك توالت الصيحات المنادية إلى
إدراج العامية كلغة وطنية ... ولما تسلّم
الرئيس بوتفليقة زمام الأمر قال: « إنّ الإصلاحات التربويّة تقوم على أساس اللّغة العربيّة وليس من دونها،
ولا إصلاح بتهميش اللّغة العربيّة. مَن نحن حتّى لا نطبّق، ونتقيّد باللّغة
العربيّة؟ ».[7] فاستبشرنا خيرا
ولكن أيادٍ من تحته اغتالت مشروع التعريب وتدّرج
الأمر شيئا فشيئا حتى استبدلت تلك الأيادي تراث المتنبي و بن هدوقة ومولود معمري
بوجوه أخرى , وبقصص مأخوذة من الشبكة العالمية – الانترنت كما يسمونها- سمجة لقيطة لا مؤلف لها ولا تمتلوطننا بأي صلة
لازالوا يعملون على الترويج لها... استبدلوا[8]
"يانغ وماساكا وبوطنجا"[9]
بنصوص" الشعب الجزائري ومن شهداء مارس وشجاعة أدبية"[10].
إنّ المشكل ليس تربويا فحسب،
وإنما مشكل حضاري، فاللغة العربية هي اللغة العلمية التي ينبغي أن يسمعها الطفل الجزائري من أول يوم له في المدرسة، واللغة
المكتسبة لا ينبغي تعليمها للطفل فهو يعرفها أصلا، وهذا
مضيعة للوقت، بالإضافة إلى أن اللغة الدارجة ليس لها قواعد نحوية ولا صرفية
وهي خليط من عدة لغات على غرار الإسبانية والإيطالية والتركية
والفارسية وغيرها، وعلى الرغم من أن أمم الأرض
جميعا لديها لغة عامية، إلا أننا لا نجد أي أمة تعلم أبناءها العامية,ولو
فرض تعليمها -ولن يكون ذلك - لهجةُ من تُعلّم؟
لكل ولاية لهجتها إن لم نقل لكل بلدية...يا دعاة العامية إنكم إن فعلتم ذلك تمزق
وطننا شذر مذر وأحييتم العصبية المقيتة التي قال فيها نبينا صلى الله عليه وسلم (مَا بَالُ دَعْوَى
الْجَاهِلِيَّةِ ... دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) [11].
يا دعاة العامية لِمَ لم تنقلوا التطور ممن تتبعونهم وما
ينفع وطننا ألم تجدوا غير ما انتهت صلاحيته عندهم لتعطوه لأبناء أمتنا المجيدة؟؟.
يا دعاة العامية أما كان خيرا لكم أن تتعلموا لغتكم بدل
محاولة القضاء عليها؟ فلا عيب في التعلم بعد الكبر فذلكم خير من الإجرام في حق لغة
سيد البشر.
وأخيرا أقول يا دعاة العامية إن كنتم صادقين في انتمائكم
إلى دينكم ووطنكم وتحبون الخير لأبنائه
فلتحاولوا إيجاد حلول لمناهج التعليم وتطوير اللغة العربية وإشاعة استخدامها في
شتى القطاعات وتعريب التعليم في الجامعات,وتنقية الإعلام من لوثة الزلات والجرائم
المرتكبة من قبله في أشرف اللغات...فإنكم إن فعلتم ذلك كانت لأمتكم السيادة والريادة
ودانت لكم العرب والعجم...يا دعاة العامية هكذا كونوا أو لا تكونوا .
[1] مقال منشور بجريدة الشروق
الجزائرية بيوم:17/08/2015
[5] ينظر للوثيقة رقم :1
[6] ينظر الوثيقة رقم :2 قصة
الزواوي والعربي
[7].
جريدة «الجزائر نيوز»، الجزائر، الصادرة في 12. 4. 2005، ص.2.
[8] الصواب أن يكون المستبدل
منه بعد الباء لا كما شاع كقوله تعالى :
(أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) [البقرة/61]
[9] شخصيات لنصوص من كتاب
السنة الرابعة من التعليم الابتدائي.
[10] هي نصوص من كتاب القراءة
للسنة السادسة من التعليم الأساسي.
[11] صحيح البخاري برقم (4525).
الوثائق:
الوثيقة رقم:1
الوثيقة رقم:2
المقال الأصلي:
0 التعليقات:
إرسال تعليق